الرّؤيـــــا والحلـــــم
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الرُّؤيا من الله وَالحلم مِن الشَّيطَان فإذا حَلَم أحدكم حلماً يكرهه فَليَنفث عن يَسَاره ثلاثًا وَليتعوّذ بالله من شّرها فإنهّا لن تضره". وفي بعض طرقه: "الرُّؤيا الصَالحِة مِنَ الله والرُّؤيَا السّوء من الشَّيطَانِ فمن رَأى رؤيَا فكَرِه منها شَيئًا فَليَنفِث عن يَسَاره وليتعوذ بالله مِن الشَّيطان فإنهّا لا تضرّه ولا يخبر بها أحَدًا فإن رأى رؤيَا حسنة فليستر وَلا يخبر بها إلاّ من يحبُّ"
قال الشّيخ: كثر كلام النّاس في حقيقة الرؤيا. وقال فيها غَير الإسلاميّين أقَاويل كثيرةً منكرةً لمّا حَاولوا الوقوف على حقائق لا تعلم بالعَقل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدّقون بالسمع فاضطربت لذلك مقالاتهم.
فمن ينتمي إلى الطبّ يَنسب جمَيع الرّؤيا إلى الأخلاط ويستدلّ بالمنامات على الِخلطِ الغالب ويقول من غلب عليه البلغم رأى السِّباحة في الماء أو ما يشبهه لمناسبة الماء في طبيعته طبيعة البلغم، ومَن غلب عليه الصّفراء رأى النّيران. والصعود في الجوّ وشِبهِهِ لمِناسبة النّار في الطّبيعة طبيعة الصفراء ولأنّ خفّتها واتّقادها يخيّل إليه الطًّيرَان في الجوِّ والصُّعود في العلوّ، وهكذا يصنعون في بقيّة الأخلاط، وهذا مذهَب وإن جوّزه العقل وأمكن عندنا أن يجرِيَ البَاري جلَّت قدرته العادة بأن يخلق مثلما قالوه عند غلبةِ هذه الأخلاط فإنّه لم يقم عليه دليل ولا اطَّردت به عادة. والقطع في موضع التّجويز غَلط وجَهالة، هذا لو نسبوا ذلك إلى الأخلاط على جهة الاعتياد، وأما إن أضافوا الفعل إليها فإنّا نقطع بخطئهم ولا نجَوّز ما قالوه إذ لا فَاعل إلاّ الله سبحانه.
ولبعض أيمَّة الفلاسفة تخليط طويل في هذا وكأنّه يرى أنّ صور ما يجري في الأرض في العالم العلويّ كالمنقوش وكانّه يدور بدوران الأكر فما حَاذى بعض النّفوس منه انتقش فيها. وهذا أوضَح فَسَادًا من الأوّل مع كونه تحكّما بما لم يقع عليه برهان، والانتقاش من صِفَات الأجسَام وكثِير ما يجري في العالم الأعراض، والأعراض لا تنتقش ولا ينتقش فيها.
والمذهب الصّحيح ما عليه أهل السنّة وهو أنّ الله سبحانه يخلق في قلب النّائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليَقظان وهو تبارك اسمه يفعل ما يشاء ولا يمنعه من فعله نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنّه سبحانه جعلها عَلَماً على أمورٍ أخر يخلقها في ثاني حال أو كان قد خلقها. فإذا خلق في قلب النّائم اعتقاد الطّيران وليس بطائر فقصارى ما فيه أنّه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو عليه وكم في اليقظة من يعتقد أمرًا على غَير ما هو عليه فيكون ذلك الاعتقاد عَلَما [على غيره كما يكون] خلق الله سبحانه للغيم عَلَماً على المطر والجميع خَلْقُ الله سبحانه، ولكن يخلق الرؤيَا والاعتقادات التي جَعَلها عَلما على ما يسرّ بحضرة الَملَك أو بغير حضرة الشيطان ويخلق ضِدّها مِمَّا هو عَلَم على ما يضرّ بحضرة الشيطان فتنسب إليه مجازا واتّساعا وهذا المعنيّ بقوله - صلى الله عليه وسلم - "الرّؤيا من الله والحلم من الشّيطان" لاَ على أنّ الشّيطان يفعل شيئا في غيره، وتكون الرُّؤيا اسماً لما يُحبُّ والحلم لما يكره.
وأمّا قوله - صلى الله عليه وسلم - "فإنهّا لَن تَضرَّه" فقيل معناه أنّ الرّوعَ يذهب بهذا النّفثِ المذكور في الحديث إذا كان فاعله مصدّقا به متَّكِلاً على الله جلّت قدرَته في دفع المكروه عنه وقيل يحتمل أن يريدَ أن هذا الفعل منه يمنعَ من نفوذ ما دلّ عليه المنام من المَكروه ويكون ذلك سَبَبا فيه. كما تكون الصّدقة تدفع البلاء إلى غير ذلك من النّظائر المذكورة عند أهل الشريعة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق