غــــــزوة ذي قـــــــرد
تبدأ فصول هذه الغزوة عندما أغار عيينة بن حصن الفزاري على إبل النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة وقتل حارسها وخطف امرأة مع الإبل, ولكن المسلمون استطاعوا إدراك العدو وتخليص المرأة وبعض الإبل, فما هي تفاصيل هذه الغزوة؟ ومن كان أبطال غزوة ذي قرد؟
المكان: حدود المدينة النبوية
منذ أن اصطفى الله عز وجل رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم من قريش ومضر وما زالت العصبية القبلية الجاهلية تشتعل في قلوب جفاة العرب وأعرابهم من ربيعة وغطفان وغيرهما من القبائل العربية التي كانت تأمل أن تنال هذا الشرف لفهمها الخاطئ للنبوة التي هي محض اصطفاء واختيار من الله عز وجل..
لذلك كانت هذه القبائل دائمة العداء والمجاهرة بالسوء للمسلمين ورسولهم وتكررت اعتداءاتهم على المسلمين وكانت هذه القبائل آخر العرب إسلامًا وهذه الغزوة صورة من صور العداء القبلي للمسلمين.
تبدأ فصول هذه الغزوة عندما أغار عيينة بن حصن الفزاري وهو الملقب بالأحمق المطاع في خيل من غطفان على حدود المدينة في منطقة يقال لها الغابة ترعى فيها إبل النبي صلي الله عليه وسلم فوجد بها ابن لأبي ذر الغفاري وامرأته وراعي الإبل فقتلوا الغفاري وأخذوا امرأته فرأى ذلك غلام لعبد الرحمن بن عوف فدخل المدينة مسرعًا ليخبر النبي وكان ذلك في وقت الغلس قبل أذان الفجر فكان أول من صادفه الصحابي سلمة بن الأكوع فأخبره بالأمر فقام سلمة بن الأكوع على جبل تجاه المدينة ونادى بأعلى صوته يا صباحاه ثلاث مرات فأسمع أهل المدينة كلهم ثم انطلق مسرعًا خلف العدو ومعه سيفه ونبله.
هذه الغزوة تعتبر كلها للصحابي الجليل سلمة بن الأكوع الذي يعتبر بحق أسد الأسود وانظر كيف كان فعل هذا الصحابي تجاه الأمر الواقع, انطلق سلمة وحده خلف العدو وهم بالمئات وهو وحده على قدميه, وكان أسرع العرب حتى أنه كان يسبق الخيل على قدميه, حتى وصل خلف العدو وارتجز قائلاً:
أنا ابن الأكوع *** واليوم يوم الرضع
وأخذ يرميهم بالسهام فإذا أرادوا الرجوع إليه فر هاربًا بسرعة لا يدركه أحد, وإذا عادوا عاد ورائهم بسرعة يرميهم بالسهام, وصعد على ثنية جبل وهم يسقون إبلهم فرماهم بالحجارة فلقوا منه شدة ودخلهم خوف عظيم من هذا السبع الضاري حتى إنهم تخففوا من غنائمهم التي نهبوها فألقوا ثلاثين رمحًا وثلاثين بردة حتى أمضوا في الهرب وظنوا أنهم قد نجوا منه فجلسوا يستريحون وكان الوقت ضحى فإذا بالسبع يطلع عليهم من رأس جبل مرددًا ما قال من قبل:
خذها وأنا ابن الأكوع *** واليوم يوم الرضع
فارتاعوا لما رأوه وقال لهم عيينة بن حصن: "لولا أن هذا الرجل وراءه طلبًا ما ترككم, ليقم إليه نفر منكم", فقام إليه " أي سلمة" أربعة رجال فقال لهم ابن الأكوع: "أتعرفونني أنا ابن الأكوع والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني", فخافوا منه ورجعوا عنه.
على الطرف الآخر عندما خرج سلمة في أهل المدينة سمع النبي صراخه فترامت الخيول إلى رسول الله فانتهى إليه ثمانية فرسان منهم المقداد وأبو قتادة والأخرم وغيرهم فأمر عليهم سعد بن زيد وأمرهم باللحاق بالعدو على أن يلحق بهم النبي صلي الله عليه وسلم مع باقي الناس فانطلقت كتيبة الفرسان وكان فيهم أبو عياش فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: "يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلاً هو أفرس منك فلحق بالقوم" فقلت: يا رسول الله أنا أفرس الناس, فضرب أبو عياش الفرس فما جرى به سوى خمسين ذراعًا حتى طرحه..
فخرج الفرسان حتى تلاحقوا وأدركوا سلمة بن الأكوع وهو يرمي الناس بالنبل فكان أول الفرسان وصولاً للعدو الأخرم واسمه محرز بن نضلة وعلى أثره أبو قتادة فارس الرسول صلي الله عليه وسلم فأخذ سلمة بن الأكوع بزمام فرس الأخرم فقال له: "يا أخرم احذر القوم فإني أخاف أن يقتطعوك فائتد", أي انتظر, "حتى يلحق بك الناس", فقال أخرم: "يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق, فلا تحل بيني وبين الشهادة", فخليت فرسه فانطلق فلقيه حبيب بن عيينة فقتل الأخرم فمات عز وجل, وكان قبل ذلك بيوم قد رأى رؤيا أن السماء قد انفتحت حتى السماء السابعة, وقيل له: هذه منزلتك, فقصها على أبي بكر الصديق وكان أعبر الناس للرؤيا, فقال له: "يا أخرم تموت شهيدًا", لذلك قال ما قال لسلمة..
فلحق أبو قتادة بحبيب بن عيينة فقتله, وتلاحق الفرسان المسلمون فقتل عكاشة بن محصن أوبارًا وولده عمرًا بضربة رمح واحدة وهما على بعير واحد وتلاحق الناس مع النبي صلي الله عليه وسلم وانطلق أبو قتادة في مقدمة الناس فالتقى أبو قتادة مع مسعدة الفزاري وكان من قبل ذلك قد التقى أبو قتادة مع مسعدة في سوق المدينة وأبو قتادة يشتري فرسه هذا الذي يركب عليه فقال له مسعدة وهو مشرك: ما هذا الفرس, فقال أبو قتادة: "فرس أردت أن أربطها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم", فقال مسعدة: "ما أهون قتلكم وأشد جرأتكم", فقال أبو قتادة: "أما إني أسأل الله عز وجل أن ألقينك وأنا عليها", قال مسعدة: " آمين", فالتقى أبو قتادة مع مسعدة, فقتله أبو قتادة بيديه ووضع عليه برده, حتى يعرف الناس أنه قتيله..
فلما تلاحق الناس ورأوه استرجعوا وظنوا أنه أبو قتادة, فقال الرسول: "ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة ووضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه", وتكامل الناس مع النبي ونزلوا على ذي قرد فمكثوا يومًا وليلة ثم عادوا, وجاء سلمة بن الأكوع, فقال للنبي: "يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنفذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم", فقال النبي: "ملكت فأسجح, إنهم الآن ليغبقون في غطفان", أي يتعشون, وعاد النبي مع القوم وقد قال في هذه المعركة وسام تكريم لبطلي المعركة: "خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة", وأعطى سلمة سهم الفارس والراجل جميعًا, وأردفه خلفه على بعيره عند الدخول للمدينة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق